مساجد صديقة للبيئة.. الإسلام الأخضر يقود ثورة بيئية في إندونيسيا

تتجه إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم، نحو تجربة فريدة تجمع بين الدين والبيئة؛ إذ يشكّل "الإسلام الأخضر" محورًا متناميًا لمواجهة تحديات التغير المناخي، وتتجسد هذه الرؤية في مشاريع مبتكرة مثل بناء مساجد صديقة للبيئة من البلاستيك المعاد تدويره وقشور الأرز.

وفي ظل أخطار ارتفاع مستوى البحار والأعاصير المتزايدة، تدفع هذه المبادرات نحو تحوّل بيئي واسع يستند إلى التعاليم الإسلامية، حيث تتعاون المدارس الدينية والعلماء مع المجتمع لدمج الوعي البيئي في العبادة اليومية، مما يجعل الإسلام الأخضر نموذجًا عالميًا رائدًا.

مساجد صديقة للبيئة
في بلدة جاروت غرب جاوة، يتأهب السكان لافتتاح أول مسجدين توأمين صديقين للبيئة، جدرانهما مكونة من 12 طنًا من البلاستيك المعاد تدويره و24 طنًا من قشور الأرز، وأوضح مدير مدرسة “ويلاس آسيه”، عرفان أمالي، لصحيفة “جاكرتا بوست” أن تحويل النفايات بهذه الطريقة “ينقذ آلاف الأشجار ويصبح تفانيًا جماعيًا لخدمة الأرض”.

وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية، الجمعة 26 سبتمبر 2025، أن هذه الخطوة ليست رمزية فقط، بل تمثل ركيزة أساسية لترسيخ مفهوم الإسلام الأخضر، إذ تساهم المدرسة أيضًا في تحويل أكثر من 200 منزل إلى نهج “صفر نفايات“، ما يعزز ثقافة بيئية راسخة في المجتمع المسلم الإندونيسي.

تحديات بيئية جسيمة
أوضحت الصحيفة الفرنسية أن الأرخبيل الإندونيسي، المؤلف من 17 ألف جزيرة، يواجه تهديدات من ارتفاع منسوب البحار والأعاصير العاتية، إضافة إلى أزمة نفايات متفاقمة تجاوزت 11.3 مليون طن غير مُدارة عام 2024. هذه الظروف البيئية تجعل من الإسلام الأخضر استجابة ملحة وليست خيارًا فكريًا فحسب.

وأشارت فرانس 24 إلى أن انتشار التلوث الهوائي والمائي، وإزالة الغابات لزراعة النخيل، وفقدان التنوع البيولوجي كلها أزمات متداخلة تزيد عبء الدولة وتدفع القادة الدينيين إلى لعب دور محوري في تعبئة المجتمعات نحو حلول عملية ووعي مستدام.

تعانق الدين والبيئة
يبرز مفهوم الإسلام الأخضر في إندونيسيا باعتباره دعوة لتجسيد التعاليم الإسلامية في حماية الأرض باعتبارها عبادة ومسؤولية روحية، وأوضح علماء دين محليون، وفق ما نقلته لوموند الفرنسية، أن خطب الجمعة والدروس الدينية باتت تتناول قضايا البيئة إلى جانب الموضوعات التقليدية، في خطوة تهدف لترسيخ الحس البيئي لدى الأجيال القادمة.

كما تُشجع المبادرات الدينية على ترشيد استهلاك المياه والكهرباء وإعادة التدوير، وهو ما يجعل الإسلام أداة فاعلة في حماية الطبيعة، ويعزز حضور الإسلام الأخضر في الوعي العام كنهج متكامل لا ينفصل عن العبادة.

علماء دين مؤثرون
شدد المحلل البيئي الإندونيسي رحمت نوجروهو على، أن العلماء والدعاة يمتلكون مصداقية تجعلهم قادرين على تغيير السلوك المجتمعي أكثر من أي جهة حكومية، وبحسب تصريحاته للصحيفة الفرنسية، فإن “دعم العلماء للمبادرات البيئية يضاعف تأثيرها ويجعلها جزءًا من الحياة اليومية للمسلمين”.

وقد بدأت مدارس إسلامية عدة في إدراج موضوعات بيئية في المناهج التعليمية، وربطت المساجد ببرامج إعادة التدوير وترشيد الطاقة، ما يعزز تحوّل الإسلام الأخضر إلى حركة جماهيرية تتبناها مختلف المؤسسات الدينية، ويقود أحد هذه المشروعات مدرسة “ويلاس آسيه”، وهي إسلامية محلية، والتي نجحت بالفعل في تحويل نحو 200 منزل مجاور إلى ممارسة “صفر نفايات”، وتفخر بتدريب جيل من الطلاب “صانعي السلام والتغيير”.

عقبات اقتصادية واجتماعية
رغم الزخم المتزايد، تواجه المبادرات الخضراء مقاومة من بعض التيارات التي ترى أن الاهتمام البيئي يصرف الأنظار عن أولويات دينية أو سياسية، وأشارت فرانس 24 إلى أن “الأنشطة المدمرة للبيئة، مثل قطع الأشجار الجائر، تمثل مصدر دخل لعدد من المجتمعات، ما يعرقل تطبيق السياسات الخضراء“.

وإضافة إلى ذلك، يبرز نقص التمويل كعائق رئيسي، حيث تحتاج المبادرات ذات الطابع الديني إلى دعم مالي ومؤسسي أكبر لضمان استدامتها وتعزيز أثر الإسلام الأخضر على الصعيد الوطني، إضافة إلى التحدي في جعل الرسائل البيئية مفهومة وواقعية للمواطنين العاديين، ودمجها في أنماط الحياة اليومية.

مبادرات ميدانية ناجحة
استعرضت صحيفة لوموند مبادرات تعاون بين الجمعيات الدينية والبيئية لإعادة التشجير ومكافحة التلوث، إضافة إلى مشاريع مساجد موفرة للطاقة، هذه الجهود الميدانية تظهر أن دمج التعاليم الإسلامية مع الأهداف البيئية ليس مجرد فكرة بل استراتيجية قابلة للتطبيق. وتؤكد هذه التجارب على أهمية العمل المزدوج: الفردي عبر التزام كل مسلم بالممارسات المستدامة، والمؤسسي من خلال إشراك المدارس والمساجد في قيادة التحول البيئي، ما يعزز مكانة الإسلام الأخضر كنموذج إسلامي معاصر.

ويعرب المراقبون عن أملهم في أن يصبح النهج الإندونيسي قدوة لدول إسلامية أخرى تواجه تحديات بيئية مشابهة، ويرى المحلل رحمت نوجروهو أن “تجربة إندونيسيا تقدم نموذجًا عمليًا لكيفية استثمار القيم الدينية في حماية البيئة”، ما قد يلهم حكومات ومنظمات في العالم الإسلامي لاعتماد سياسات مماثلة.

يدعم تعزيز السياسات الحكومية وتقديم حوافز للاستثمار البيئي استمرار نمو الإسلام الأخضر في إندونيسيا، حيث تحوّل من مجرد مصطلح إلى رؤية شاملة تربط الدين بحماية البيئة، مُقدمًا للعالم الإسلامي نموذجًا عمليًا يثبت قدرة القيم الدينية والروحية على مواجهة التغير المناخي وصون كوكب الأرض.

نوشته های مرتبط

منشورات ذات صلة

Related posts

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top