بين ضغط الشعوب وحسابات السياسة
وقال المفكر محمد تهامي، إن “موجة الاعتراف المتزايد من بعض الدول الغربية بدولة فلسطين تُقرأ من زاويتين استراتيجيتين متداخلتين، الأولى تتعلق بالتحوّل في البيئة الدولية وضغط الرأي العام”.
وأضاف تهامي في حديث لـ”قدس برس”، أنه “منذ اندلاع الحرب الأخيرة وما رافقها من مشاهد إنسانية قاسية، ارتفع منسوب الوعي الشعبي في الغرب بشكل غير مسبوق، وبدأت الحكومات تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة من الناخبين، والمؤسسات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية”.
وتابع، أن “هذا الضغط لم يعد بالإمكان تجاهله، خاصة في الدول الديمقراطية التي تخشى انعكاساته الانتخابية، ومن ثم يمكن القول إن الاعتراف يعكس – جزئيًا – استجابة لزخم شعبي وأممي يتسع نطاقه يومًا بعد يوم”.
أما الزاوية الاستراتيجية الثانية، كما يوضح تهامي، “فتتمثل في الحسابات الاستراتيجية للدول الغربية؛ إذ إن الاعتراف، رغم أهميته الرمزية، يبقى محدود الأثر ما لم يُترجم إلى التزامات سياسية وقانونية ودبلوماسية ملموسة، مثل دعم عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية أو ممارسة ضغوط حقيقية على الاحتلال”.
ويرى تهامي أن “كثيرًا من العواصم الغربية باتت تدرك أن سياساتها التقليدية في إدارة الصراع العربي–الإسرائيلي لم تعد مقبولة أخلاقيًا، لكنها في الوقت ذاته تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين التزاماتها التاريخية مع إسرائيل وعلاقاتها مع العالم العربي والإسلامي.”
وأوضح أن “ما نشهده اليوم هو بداية تحوّل تدريجي أكثر منه انقلابًا كاملاً في المواقف”، مشيراً إلى أن “الاعتراف يضعف السردية الإسرائيلية التي طالما احتكرت مفهوم الشرعية، لكنه لا يغيّر وحده موازين القوى”.
وأكد أنه “خطوة رمزية ذات تأثير معنوي كبير، تحمل في طياتها بذور تحوّل استراتيجي إذا تراكمت اعترافات مماثلة واقترنت بإجراءات عملية تعزز الحقوق الفلسطينية”.
وختم بالقول: “الاعتراف الغربي بدولة فلسطين في هذا التوقيت يعبّر عن لحظة فارقة: ضغط شعبي غير مسبوق، اهتزاز الصورة الأخلاقية للغرب، وتنامي الحاجة إلى صياغة مقاربة سياسية أكثر عدلاً. لكنه، حتى الآن، يظل خطوة في طريق طويل، لن يكتسب قيمته الكاملة إلا إذا تحوّل من الرمزية إلى الفعل السياسي المؤثر”.
هل سيراجع الإعلام الغربي خطابه؟
من جهته، اعتبر الإعلامي سامح أبو الحسن أن “حرب الإبادة الصهيونية على غزة لم تُخض فقط في ميادين الدم والدمار، بل امتدت إلى ساحة الإعلام الدولي، حيث جرى تشويه الحقائق وتحويل الجرائم الموثقة إلى روايات مشكوك فيها”.
وقال أبو الحسن في حديث لـ”قدس برس”، إن “الإعلام الغربي شارك – بوعي أو بتغافل – في إضفاء غطاء دعائي على آلة القتل الإسرائيلية، عبر تبني السردية المضللة وتبرير استهداف الصحفيين، حتى تجاوز عدد الشهداء منهم 240 خلال عامين، في أكبر حصيلة بتاريخ الحروب”.
وأكد أبو الحسن أن “هذا التواطؤ الإعلامي، المقترن بصمت رسمي غربي مخزٍ، بعث برسالة خطيرة مفادها أن حياة الصحفيين الفلسطينيين رخيصة، وأن روايتهم مشبوهة سلفًا. في المقابل، خرجت الشعوب الحرة في العواصم الغربية بمظاهرات مليونية رفضًا للإبادة ودعمًا لحق الفلسطينيين في الحياة والحرية، لكن إرادة الجماهير اصطدمت بجدران المواقف الحكومية الباردة، التي ما زالت أسيرة ضغوط اللوبيات وحسابات المصالح”.
وأضاف: “اليوم، ومع اعتراف بعض الدول الغربية بدولة فلسطين، تتصدع هيمنة الرواية الصهيونية شيئًا فشيئًا، ويُفتح ثقب في جدار الصمت الإعلامي. صحيح أن الاعتراف لن يغيّر الحقائق على الأرض وحده، لكنه يفرض على الإعلام الغربي إعادة النظر في خطابه، والتعامل مع فلسطين كقضية تحرر وحقوق إنسانية مسلوبة، لا كملف نزاع سياسي عابر”.
واختتم أبو الحسن بالقول: “الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن الإبادة الجارية، وصمت الحكومات الغربية وتواطؤ مؤسساتها الإعلامية شراكة في الجريمة. لكن لن يصمد أي خطاب تضليلي أمام دماء الأبرياء وصمود شعب يواجه الإبادة بصدره العاري؛ فالتاريخ يسجل، والعدالة قادمة، مهما طال الإنكار”.
وكانت كل من أستراليا وكندا وبريطانيا والبرتغال قد أعلنت أمس الأحد اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، عشية انعقاد المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية بقيادة السعودية وفرنسا.
وتتجه الأنظار إلى 11 دول أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، ما سيرفع العدد الإجمالي إلى 159 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة.