وفقًا لوكالة أنباء الحوزة، أشار حجّة الإسلام والمسلمين السيد مفيد حسيني كوهساري، نائب شؤون العلاقات الدولية للحوزات العلمية، في اجتماع “صدى صوت الثورة في الساحة الدولية”، الذي نظمته وكالة أنباء الحوزة، إلى ثلاثة أسئلة مهمة تتعلق بالوضع الحالي للعالم الدولي، الثورة الإسلامية ومسؤولياتها في الظروف العالمية، وقال: السؤال الأول الذي يُطرح هو: ما هو التكوين الحالي للعالم وكيف تشكّلت العلاقات الدولية؟ السؤال الثاني: أين نقف نحن كثورة إسلامية، وكيف يمكن تقييم إنجازات الثورة في هذا التكوين العالمي؟ السؤال الثالث: ما هي مسؤولياتنا وأولوياتنا ومهماتنا؟ وأكد أن هذه الأسئلة الثلاثة مهمة للغاية ويجب معالجتها بجدية في الأوساط العلمية والإعلامية.
جمهورية إيران الإسلامية في مركز خطاب المقاومة
وفي رده على السؤال الأول حول الوضع الحالي في الساحة الدولية، قال: ربما يكون أقصر تحليل للوضع الراهن هو التحليل الذي أشار إليه العديد من الاستراتيجيين والمحللين العالميين، وقد ورد هذا التحليل أيضًا في أقوال قائد الثورة الإسلامية. فقد قال: نحن في نقطة انعطاف تاريخية، حيث يتغير مصير العديد من الأمم والثقافات والعلاقات العالمية.
وأضاف حجّة الإسلام والمسلمين حسيني كوهساري: بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية، دخل العالم في ترتيب دولي جديد، حيث تشكل قطبان سياسيان رئيسيان: الكتلة الشرقية والكتلة الغربية. كل من هذه الكتل كان لها أساس فكري ومعرفي خاص؛ فالكتلة الغربية تأثرت بشكل خاص بالنظام الليبرالي الديمقراطي والنماذج السياسية الغربية، بينما تبنت الكتلة الشرقية النظام الاشتراكي والشيوعي. استمر هذا التقسيم العالمي لفترة، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، دخل العالم عصر القطبية الأحادية، حيث سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على العديد من القضايا الدولية.
وتابع نائب شؤون العلاقات الدولية للحوزات العلمية: ما يُسمّى اليوم بالتكوين العالمي الجديد هو أننا تجاوزنا العالم ثنائي القطب والأحادي القطب، ودخلنا عصر التعددية القطبية. بمعنى آخر، بعد حوالي مئة عام، تشكل هيكل جديد على المستوى الدولي. وتبرز هذه التغيرات بشكل خاص بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. الآن، هناك قوى مختلفة تظهر في العالم الجديد، وهذا التحول سيؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية ومصير الأمم والثقافات. في هذا العالم متعدد الأقطاب، لا تزال الولايات المتحدة موجودة كقوة، لكن الاتحاد الأوروبي يكتسب تدريجيًا استقلالًا أكبر عن الولايات المتحدة ويلعب دوره في السياسة العالمية. في الوقت نفسه، ظهرت قوى مثل الصين وروسيا كأقطاب عالمية جديدة تؤثر بشكل متزايد على الهيكل العالمي من خلال توسع نفوذها في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا.
وأضاف: هذه التغيرات تعني أننا في فترة انتقالية تاريخية، حيث تتغير العديد من الأنظمة الدولية، بما في ذلك القوى التقليدية والهياكل الاقتصادية والسياسية القديمة، لذا فإن قرارات وإجراءات كل دولة اليوم يمكن أن تؤثر بشكل واسع على مستقبل العالم.
إيران الإسلامية في عصر التعددية القطبية
وأشار إلى موقع إيران في العالم متعدد الأقطاب اليوم وقال: اليوم، دخل العالم في ترتيب متعدد الأقطاب. هناك دول مثل الهند، الصين، البرازيل في أمريكا اللاتينية، إندونيسيا في جنوب شرق آسيا، وفي العالم الإسلامي قوى كبيرة تظهر، تؤثر بشكل متزايد على العلاقات العالمية بناءً على سكانها وقوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي. ويتشكل هذا الاتجاه بشكل خاص من خلال خطاب المقاومة وجبهة المقاومة، التي تُعرف إيران كأحد اللاعبين الرئيسيين فيها. هذا الخطاب ليس مجرد أيديولوجيا سياسية، بل قوة مؤثرة في العالم الجديد.
وأكد: في العالم اليوم، لا يهيمن الدولار الأمريكي وحده، بل هناك عملات مثل اليورو والروبية واليوان كوحدات اقتصادية معتبرة. كما تظهر اتحادات اقتصادية جديدة مثل بريكس (BRICS) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، مما يشير إلى نهاية عصر القطبية الأحادية ودخول عالم متعدد الأقطاب. وقد تجلت هذه التحولات الاقتصادية والسياسية بشكل واضح بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وتأثيرها على العلاقات العالمية واسع النطاق.
وأوضح أن هذا الوضع الجديد يظهر في المجالات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية وحتى التسليحية، وأن القوى الجديدة تدخل بشكل متزايد إلى الساحة الدولية، ولم يعد العالم تحت سيطرة عدد قليل من القوى الكبرى فقط، بل تلعب الدول النامية والناشئة أيضًا دورًا مهمًا في تشكيل مستقبل العالم.
وأشار إلى أن الثورة الإسلامية الإيرانية هي عامل مؤثر في تشكيل هذا العالم متعدد الأقطاب، وأن الجمهورية الإسلامية استطاعت، من خلال خطاب الثورة والمقاومة، أن تواجه الهيمنة العالمية وتكتسب مكانة خاصة في السياسة العالمية، وأن الثورة كأيديولوجيا مناهضة للإمبريالية استطاعت أن تؤثر في البلدان المسلمة والمستضعفة وتكوّن جبهة المقاومة.
وأكد: إيران بفضل موقعها الجغرافي والاقتصادي والسياسي أصبحت قوة إقليمية وعالمية معترف بها، ولذا يجب على الجمهورية الإسلامية أن تفهم هذه التحولات وتتصرف بحكمة على الساحة العالمية.
خطاب المقاومة كإطار لمواجهة الهيمنة الغربية
وأشار إلى أن خطاب المقاومة توسع ليس فقط في المنطقة بل على مستوى العالم، وأن إيران استطاعت تعزيز جبهة المقاومة ضد الظلم والاستكبار العالمي. وأضاف أن الثورة الإسلامية كنقطة تحول في التاريخ المعاصر أثرت على التطورات العالمية وأن إيران يجب أن تتكيف مع هذا الترتيب الجديد وتواصل تعزيز خطاب المقاومة.
وأشار إلى أن الثورة الإسلامية قدمت خطابًا مستقلاً في مواجهة الهيمنة الثقافية والفكرية الغربية. في بعض المجالات الفكرية والمعرفية، لا يزال العالم ثنائي القطب، خاصة في النظام العلمي والأكاديمي، حيث يهيمن الفكر الغربي على الصين والهند والبرازيل وروسيا، ولا يوجد منافس جاد له حتى الآن. ومع ذلك، استطاعت إيران بثورتها أن تقدم نموذجًا مستقلًا عن هذا الهيمنة.
وأوضح أن الثورة الإسلامية طرحت خطابًا بديلًا عن الغرب يقوم على تحقيق الإرادة الإلهية وأهداف الأديان السماوية، وتحدى الإنسانية الفردية والأومانيزم الغربي، وأكد أن الثورة نجحت في تقديم خطاب بديل ليس فقط في السياسة والاقتصاد، بل في الفكر والثقافة، ويعتبر خطاب الثورة الآن نموذجًا مستقلًا أمام القوى الناشئة مثل روسيا والصين.
وأكد أن الثورة جمعت بين الدنيا والآخرة، وبين الفرد والمجتمع، وبين العدالة والروحانية والتقدم، مما يميزها عن الغرب الذي يرى هذه القيم متعارضة.
وأشار إلى أن القرن الأخير، رغم التقدم التقني، كان مليئًا بالحروب والقتل والفقر والتمييز، ويؤكد فشل الخطاب الغربي في معالجة التحديات الإنسانية، وأهمية خطاب الثورة الإسلامية الذي يقدم حلولًا متوازنة بين الأبعاد المادية والروحية.
الإنجازات الدولية للثورة الإسلامية
وأضاف أن أحد أكبر إنجازات الثورة هو تقديم خطاب قادر على مقاومة خطاب الحضارة الغربية، وإقامة نظام ديني حكومي تطبيقي أصبح نموذجًا عالميًا ملهمًا، قائمًا على المبادئ والقيم، وحقق قدرة على الانتشار والنمو عالميًا، وخاصة عبر حركة المقاومة، على عكس حركات أخرى لم تحقق تأثيرًا دوليًا.
وأكد أن الثورة استطاعت الحفاظ على خطابها على مدى أكثر من أربعة عقود، ونمت على الساحة العالمية في مجالات المقاومة والأمن، وأن هذا الخطاب يتمدد تأثيره في المستقبل أكثر.
وأشار إلى أن مواجهة الغرب ليست فقط سياسية وعسكرية، بل وجودية وهوياتية، وأن النجاح يعتمد على التركيز على الحرب الإعلامية، وحرب الإرادات، وحرب البرامج، وبذل جهد إعلامي منسق.
دور الحوزويين والطلاب في نقل خطاب الثورة
أشار حجّة الإسلام والمسلمين غريب رضا إلى دور الحوزويين والطلاب في نقل خطاب الثورة عالميًا، وبيّن أنهم لعبوا دورًا فعالًا في الثورة وفي الساحة الفكرية والاجتماعية والثقافية، ويجب تعريف الطلاب الصغار بالنماذج الرائدة وتوفير الفرص لهم لتبادل الخبرات.
وأوضح الفرق بين وزارة الخارجية والمبلّغ الدولي، حيث يركز المبلّغ على إدارة التحولات الفكرية والروحية والثقافية، وليس مجرد العلاقات الدبلوماسية، مؤكدًا أهمية العمل على نشر الخطاب الإسلامي الأصيل عالميًا، وتحويل الحركات المحلية إلى حركات اجتماعية ثم إلى حركات عالمية تؤثر على الأمم الأخرى.
وأشار إلى أهمية إعداد الشباب الإيرانيين والخارج من أجل الدور العالمي، وتعليمهم اللغة والثقافات المختلفة، وتوظيف قدرات المغتربين في نشر الرسالة.
وحدة الأمة حول محور المقاومة
أكد أن المقاومة توضح الحدود بين الصديق والعدو، وتكشف المنافقين عن المسلمين الحقيقيين، وأنها توحد المسلمين وغيرهم حول هدف مشترك، كما حدث في لبنان حيث وقف المسيحيون والمسلمون معًا، وكذلك في العمليات العسكرية مثل عملية وعد صادق، وهي تعكس الوحدة العملية.
وأوضح أن الدعم من إيران وحزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي في مناطق مختلفة أظهر الحقيقة أمام العالم، وأن القرآن وثقافة المقاومة في غزة أثرت على الشباب العالمي، وألهمتهم للالتزام بالجهاد والدفاع عن الإسلام، وأن تجربة إيران أثبتت أن الإسلام السياسي يمكن أن يواجه الحكومات الكبرى ويؤثر عالميًا.











