الحضارة هي مجموعة بشرية تتوافر فيها خصائص أساسية، من قبيل: الرؤية الكونية الشاملة، الانسجام الداخلي، القدرة على الجذب والتنظيم الشعبي، الشمولية والامتداد، إضافةً إلى قابلية التحديث والإبداع. وهذه الخصائص تتجلى بوضوح في الحضارة الإسلامية. لقد كان نهضة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في النصف الثاني من القرن الأول الهجري محاولةً لصيانة أصالة الإسلام وإحيائه؛ ومن هنا وُصف ـ بحسب الحديث النبوي الشريف (ص) ـ بأنّه مصباح الهدى وسفينة النجاة وقد كُتبت هذه الصفة على يمين عرش الله تعالى.
إنّ أربعين الحسين يمثّل سعياً لمواصلة حركة الإمام الحسين عليه السلام، وقد بدأ منذ الأربعين الأول لشهادته، على يد كبار الصحابة كجابر بن عبد الله الأنصاري ــ وبحسب بعض الروايات بعودة سبايا كربلاء ــ واستمر عبر التاريخ رغم ما واجهه من مدّ وجزر، حتى بلغ في العقود الأخيرة ذروته ليتحوّل إلى ظاهرة إنسانية يشارك فيها عشرات الملايين.
إنّ دراسة مستقبل الحضارة الإسلامية وصلتها بأربعين الحسين يمكن أن تتم من منظورين: الاستشراف الاستكشافي والاستشراف التوجيهي. فمن ناحية الاستشراف الاستكشافي، يمكن التعرّف إلى العوامل الدافعة (Drivers) من خلال المسارات الكلية (Mega-trends) التي تُظهر آفاق الحضارة الإسلامية ودور أربعين الحسين في تعزيزها وازدهارها. والعوامل الدافعة هي قوى وعناصر تؤثّر تأثيراً بالغاً في صناعة المستقبل، فيما تُعرّف المسارات بأنها تحوّلات منتظمة يمكن رصدها ولا تنطوي على أحداث مفاجئة. أما المسارات الكلية فهي تلك التي تشمل أبعاد الحياة الإنسانية كافة، ولا تقتصر على مجال واحد، ويُمكن معرفتها من خلال المراقبة والمتابعة المستمرة.
ومن أبرز هذه المسارات الكلية التي تكشف عن طاقات أربعين الحسين في توسيع وتعميق الحضارة الإسلامية ما يلي:
- أفول العَلمانية والحداثة الغربية، في مقابل بروز أو عودة المدارس غير الغربية، وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية؛
- أزمة المعنى في العالم المعاصر وما يترتب عليها من نزوع البشرية نحو البحث عن المعنى، وهو ما يُمهّد الطريق لازدهار الحضارة الإسلامية في المستقبل؛
- بعض الآثار الإيجابية للعولمة، وما تتيحه من فرص لتفعيل طاقات أربعين الحسين؛
- تنامي الحوكمة الشعبية وتجسّدها في الطابع الشعبي لأربعين الحسين، من خلال المواكب الحسينية؛
- وأخيراً، المسار الكلي المتمثل في إحياء الحضارة الإسلامية، وما يستتبعه من تعميق المقاومة الإسلامية في عالمنا المعاصر.
