مسيرة طويلة طواها السيد نصر الله في العمل الإسلامي وانتهت تلك الرحلة الشاقة عند منتهى آمال العاملين وهي التتويج بتاج الشهادة والكرامة. إنها هبة إلهية لايلقاها إلا الذين صبروا ولايلقاها إلا ذو حظ عظيم. كانت حياة السيد حسن نصر الله مليئة بالدروس والمواقف والمواعظ والعبر، وكان حقاً على المؤمنين أن يأخذوا من تلك السيرة العطرة وينهلوا من معينها العذب لأنها تعليمية وملهمة.لقد كان السيد حسن نصر الله أمة قانتاً لله، ومدرسة تأخذ منها الأجيال مختلف التعاليم والمفاهيم، وفيما يلي أهم الخصائص التي تتسم بها مدرسة نصر الله:
أولا: الإخلاص في العمل
كان السيد نصر الله مخلصاً مع الله ، ومخلصاً في تعامله مع الناس ، ومخلصاً في الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، ومنها دفاعه عن القرآن الكريم حين تعرض للإنتهاك، ومخلصاً لرسول الله حين تعرض للإساءة، ومخلصاً لفلسطين والقدس وقد دافع عن فلسطين حتى آخر لحظة من حياته، ومخلصاً للبنان ولم يهمل الحديث عنه وعن مصالحه في أغلب أحاديثه عن بلده، وقد دافع عن لبنان في وجه المد التكفيري وفي وجه الاعتداءات الإسرائيلية، سيما الغزو الاسرائيلي للبنان ودخل في مقاومة شرسة مع العدو الصهيوني المحتل حتى خرج من لبنان مذموماً مدحوراً .
ثانياً: الفكر التربوي الأصيل
كان السيد نصر قد نشأ في بيئة سليمة وأسرة علوية مستقيمة، ودرس في لبنان والنجف وقم ، وقد أخذ من الثورة الإسلامية صلابتها وفكرها الأصيل حتى قوي وعيه وبصيرته، والتزم خط الإمام الخميني في السلوك والتربية والعمل. إنها الأفكار التي كان يؤكد عليها أهل البيت ؟عهم؟ قد امتزجت في ضميره، وعانقت عقله وفكره، وبرزت في كلماته ذات التأثير العميق في نفوس مستمعيه .
ثالثاً: توافق القول مع العمل
كان السيد حسن نصرالله يقول ويفعل، ولا يقول ما لايفعل، وكانت صفة ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) بارزة في تصرفاته وعلاقاته مع الآخرين، فهو إذا قال فعل، وإذا عاهد وفا بعهده، وربما لاحظ حتى الذين هم من خارج الدائرة الإسلامية هذه الميزة فيه .
رابعاً: الصدق والوضوح
كانت كلمات السيد حسن نصرالله صادقة، لأنها نابعة من نفس صافية ، وقلب وإيمان مستقيم، وانعكس أثر ذلك على صدق لسانه، وما استقام لسان إلا بما استقام به قلبه من الإيمان. إنه التناغم بين الجوارح والجوانح قد انطوت عليه سريرة السيد الشهيد نصر الله .
خامساً: الشمولية والاستيعاب
لقد كان السيد نصر الله شخصية عامة وأممية تتجاوز حدود الأفكار الضيقة التي تنتهي عند حدود مناطقية ومحلية أو قومية، وكان فكره شاملاً ، وملماً بمختلف القضايا والأفكار، لقد كان شخصية شاملة تواكب مختلف الأحداث وتحيط بجزئياتها وتفصيلاتها، وتستوعب أبعادها المختلفة وتقدم رؤية ومعالجة صحيحة وموضوعية .
سادساً: كان شخصية عابرة للأطر المذهبية والقومية
للسيد نصر علاقات متشعبة مع مختلف الشخصيات بغض النظر عن هويتهم الدينية ولغتهم القومية ولعل في علاقاته وتحالفاته الواسعة ما يشير إلى ذلك بوضوح . لقد كان وحدوياً يستريح إلى المشتركات مع أبناء بلده وغيرهم ويقويها، وكان ينظر إلى الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن هويته المذهبية والقومية، ويفترق عن الآخرين إذا حادوا عن انسانيتهم وتنصلوا عن الحق .
سابعاً: كان ولائياً للثورة الإسلامية
إنه يؤمن إيماناً راسخاً بالثورة الإسلامية في إيران وبولاية الفقيه، وبخطها المقاوم للظلم والذي يدافع عن قضايا المسلمين وخاصة القضية الفلسطينية ولذا كان السيد الشهيد نصر الله يردد ما قاله أنصار الحسين ؟ع؟ في ولائهم لإمامهم ويقدم ولائه للسيد الخامنئي قائد الثورة ويقول: ( لو أنّا نعلم أننا نقتل ثم نحرق ثم ننشر في الهواء ثم نحيا ويفعل بنا ذلك ألف مرة ما تركناك يا بن الحسين) إنّه ولاء حقيقي ردده أنصار الإمام الحسين عليه السلام في محضره عند ساعات العسرة وقبل لقاء الموت، وردده السيد الشهيد نصر الله على الهواء ليسمعه الجميع أنه ومن معه على ذلك العهد وذلك الخط الإسلامي الأصيل .
إنه يؤمن بولاية الفقيه كقيادة للأمة ولِمَ لايؤمن بها وهو يشاهد تلك القيادة الربانية تقف دائماً مع الحق، وتنادي بالإسلام، وتقف مع الشعوب، وتنصر المظلومين، وتأوي كل شريد وطريد، لِمَ لايؤمن بولاية الفقيه وهي التي وقفت بصلابة ضد الصهاينة وحماتهم المستعمرين، ورفعت علم فلسطين ، لِمَ لايؤمن بولاية الفقيه وهو يشاهد قيادتها قد صمدت بوجه أقسى حصار ظالم في التاريخ على شعبها وثورتها، ومع كل ذلك الحصار شقت سفينتها طريقها بقيادتها الإسلامية نحو الصلاح والفلاح؛ فصنعت السفن والطائرات والقطارات والسيارات والمركبات والصواريخ والمدرعات والدبابات، واستخرجت من الأرض كنوزها ومعادنها، وأظهرت الأرض بعض بركاتها ..
إنه يؤمن بولاية الفقيه، وقد تعلّم هو وأتباعه منها كيف يتحررون من الأعداء، إنهم يؤمنون بولاية الفقيه التي تركت لهم الحرية، وحررتهم من التبعية، ولم تقيدهم بقيد إلا بقيد الإيمان بالله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وتركت لهم تقدير أهمية مصالحهم ومصالح بلدهم في عهدتهم .
إن ولاية الفقيه التي يؤمن بها نصر الله لاتتدخل بشؤونهم الخاصة فهم أولى بها، لكنها تساعدهم إذا احتاجوا إلى المساعدة وتدافع عنهم عند تعرضهم للخطر .
لقد تدخلت أمريكا في كل صغيرة وكبيرة تخص حلفائها، وأخذت تملي عليهم إرادتها وتفرض عليهم طاعتها إلى حد التبعية العمياء وكل ذلك لايعد تدخلاً في عرف المفسدين، أما من يؤمن بولاية الفقيه بالوجه الذي قدمنا صورة موجزة عنه فيعد تبعية !
ثامناً: تبني الخط الجهادي
الجهاد لم يوضع قط عن المسلمين لا في ماضيهم ولا في حاضرهم، والجهاد له معنى ميداني مع النفس ( ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر) وهو الجهاد الأكبر .
والمعنى الثاني هو الجهاد الأصغر ضد العدو الخارجي ( الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه).
إن السيد الشهيد نصر الله كان مجاهداً بالكلمة والسلاح والعمل، وقد شهدت له ميادين الجهاد المختلفة؛ كالجهاد في الميدان وساحات العمليات، والجهاد في الأعمال الاجتماعية والخيرية، والجهاد بالكلمة والتثقيف والتنوير، وقد قدم فلذة كبده ولده السيد هادي شهيداً مدافعاً عن أرض لبنان، ثم تبعه السيد نصر الله شهيداً مدافعاً عن فلسطين وقضايا الأمة التي صادرها العدو الصهيوني .
لقد كان السيد نصر الله يأنس بالموت ، وقد وطن نفسه على لقاء الله تعالى، ولمرات وكرات ذكر تلك الكلمات التي صدح بها أنصار الحسين عليه السلام، لأنها كلمات حيّة تجد مستقرها في قلوب الأحرار عند مختلف العصور، ولازالت قائمة وتتردد إصدائها في عصرنا .
إنّ مدرسة السيد الشهيد حسن نصر الله هي مدرسة الثوار والأحرار، وهي مدرسة أصيلة تخرّج منها آلاف الأبطال والشهداء، وهي التي تتعلم منها الأجيال دروس الحياة الحرة الكريمة .











