بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيدين الشهيدين، سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين، انعقد في بيروت – مجمع أهل البيت عليهم السلام بتاريخ 2 تشرين الأول 2025 وبدعوة من “تجمع العلماء المسلمين” والمركز الإسلامي للتبليغ، الملتقى الديني الروحي الأول تحت عنوان : “قيم التضحية وبناء الإنسان”، بمشاركة حشد من الشخصيات الدينية والعلمائية والثقافية والفكرية من مختلف الطوائف اللبنانية الإسلامية والمسيحية.
وقد تخلل الملتقى مداخلات متنوعة ركزت على عدة محاور أساسية أبرزها :-
أولاً : البعد الإنساني في استشهاد الشهيدين، ان استشهادهما يعبر عن أسمى معاني العطاء، حيث تحولت حياتهما إلى رسالة مفادها ان التضحية في سبيل الإنسان والكرامة لا تعرف حدوداً مذهبية او طائفية.
ثانياً : قيم التضحية والإيثار، أكد المتحدثون ان هاتين القيمتين متجذران في الأديان السماوية جميعاً، وتشكلان أساساً لبناء مجتمع متراحم ومتعاون، حيث يصبح العطاء من دون مقابل فضيلة عليا تترجم في الحياة اليومية والسياسات العامة.
ثالثاً: الوحدة الوطنية والعيش المشترك، برز في المداخلات تأكيد واضح على أن لبنان لا يمكن ان يحيا إلا بوحدته، وان الدماء الزكية التي سالت دفاعاً عن الوطن هي دعوة ملحة لتجاوز الانقسامات الداخلية، وترسيخ ثقافة الحوار والتلاقي بين جميع مكونات المجتمع.
رابعاً : بناء الانسان كأولوية، رأى المشاركون أن التكريم الحقيقي للشهيدين يكون بالعمل على بناء الإنسان اللبناني، إنسان متعلم منفتح، راسخ القيم، محصن أمام الفتن وقادر على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية بروح التضامن والمسؤولية.
خامساً : أهمية الحوار الإسلامي- المسيحي، أجمع الحاضرون على أن لبنان بما يحمله من تنوع ديني وثقافي هو رسالة عالمية للحوار، وأن استمرار مثل هذه اللقاءات يعزز روح التلاقي، ويؤسس لثقافة سلام داخلية يمكن أن تتحول إلى نموذج يُحتذى في المنطقة والعالم.
سادساً : القضية الفلسطينية كقضية جامعة، تم التأكيد على أن فلسطين والقدس ليستا قضية شعب بعينه، بل هما عنوان جامع لكل الأحرار، وأن التضحية من أجل تحرير الأرض والمقدسات تبقى جزءاً من القيم التي عاشها الشهداء وضحوا في سبيلها.
سابعاً : البعد القيمي والروحي للشهادة، شدد المتحدثون على ان الشهادة ليست حدثاً عابراً، بل هي مدرسة متجددة تعلم معنى الثبات على الحق، والإيمان بالإنسان وقدرته على تغيير واقعه، وهي دعوة مفتوحة للأجيال كي تسلك درب القيم وترتقي بالوطن.
وافتتح الملتقى بكلمات لكل من : رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين سماحة الشيخ غازي حنينة، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، رئيس المجلس الإسلامي العلوي في لبنان الشيخ علي قدور، والمطران جورج صليبا، وكلمة المركز الإسلامي للتبليغ ألقاها الشيخ خليل رزق، ثم أذاع رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين الشيخ الدكتور حسان عبد الله البيان الختامي.
وفي كلمته بالمناسبة، قال رئيس مجلس الأمناء لتجمع العلماء المسلمين اللبناني الشيخ غازي حنينة : اننا نعلن من هنا بأننا على العهد ماضون وعلى العهد صامدون.
واضاف : لقد كان سيد المقاومة سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، يحرص حرصاً شديداً على وحدتنا كلبنانيين، وعلى وحدتنا كمسلمين ومسيحيين، لتكون هذه الوحدة السد المنيع في وجه عدونا وفي وجه مؤامراته.
الى ذلك، قال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ علي الخطيب : المقاومة اليوم أكثر قوة واشد حضورا.. فالأمم بقادتها الاحياء وبشهادتهم يُكتب لها الخلود والبقاء كجذور الشجر تمدها بأسباب البقاء، وهي مدفونة تحت التراب.. والشهداء احياء عند ربهم لهم اجرهم ونورهم التي يشرقون بها علينا، يضيئون لنا عتمة الطريق ويبددون لنا ظلام الليل البهيم، فطبتم وطابت الارض التي فيها دفنتم، وبوركتم وبوركت الارحام والاصلاب التي انجبتكم.
بدوره تحدث رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة سماحة الشيخ ماهر حمود؛ لافتا الى سقوط الكم الهائل من الشهداء في فلسطين ولبنان، مخصا بالذكر السيد حسن نصر الله، وسط تخاذل العرب ومساعدة بعض اللبنانيين للصهيونية بشكل واضح ومباشر أحيانا، ومغطىً أحيانا ببعض الشعارات التي تظهر انها لبنانية؛ وتطرق الى مخطط “اسرائيل الكبرى” الذي اعلن عنه الكيان الصهيوني صراحة، متسائلا ماذا يعني ذلك؟!، مؤكدا بانه “يعني لا يوجد مصريون، ولا يوجد كامب ديفيد ولا اوسلو ولا وادي العرب، ولا تطبيع، يعني كلكم هباء منثور فقط، نحن (الصهاينة) الموجودون فقط، نحن أمة الله المختار كما يزعمون”.
من جانبه، خاطب رئيس المجلس الإسلامي العلوي اللبناني الشيخ علي قدور، في كلمته خلال افتتاح الملتقى، الشهيد السيد نصر الله قائلا : صنعت المجد لشعبك وأمتك يا سماحة السيد الأسمى، بموقف ثابت وكلمة حق في وجه سلطان جائر وسلاح على الأكتاف لا ينزل عنها إلا في حالتين، كلاهما نصر الاستشهاد أو الانتصار، وماذا نعدد من مزاياك ومواقفك وما صنعته من محطات المجد والعز والكرامة، أنت ومن إلتف حولك من أشرف الناس وأطهر الناس، حفظت الوصية وصنتها فكانت مفخرتنا على مر الدهر، وإرثاً خالداً للقادم من الأجيال اسمه المقاومة، لم يخدعك بريق الأجنبي وخداعه، ولا عروضه السخية ومتاع الدنيا، لم يخدعك بريق الأجنبي وعروضاته السخية ومتاع دنيا يملكها، وقديماً لم يخدع هذا البريق وطنياً شريفاً!
وفي كلمته خلال حفل الافتتاح، قال مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس جورج صليبا : عرفت السيد الطيب الذكر، سماحة السيد حسن نصر الله، والتقينا أحياناً وبمناسبات متعددة، وكنت أجد فيه هذا الإنسان الطيب الوديع، وكنت أسمع خطاباته ومواعظه وكلماته على التلفزيون، فأرى الجرأة تتجلى بين شفتيه وتنبع من قلبه النابض بالحياة والكرامة والعزة.
واضاف : نحن نقول الله أكبر والعزة للعرب، العزة لكل الناس الذين يحبون الله ويحبون قومهم وأهلهم وعشيرتهم، وللذين حولهم، بل يحبون العالم، نحن ليس لنا أعداء في هذا العالم، عداؤنا هو مع الشيطان وزبائنه ورفاقه والمتمسكين بتعاليمه، ونصلي أن يمنح الله عقلاً لهؤلاء الشاردين غير النابهين ليعودوا إلى الصواب، ومن تراجع عن أخطائه واعتذر وتاب الله رحمان رحيم وغفور كريم.
في السياق ذاته، قرأ الشيخ خليل رزق كلمة المركز الإسلامي للتبليغ في لبنان، فقال فيها : ان السيدين الجليلين الشهيدين أيقونة هذا الوطن، نموذج لكل التواقين للعدل وللحرية لمواجهة الظلم ليس في لبنان فحسب بل في كل بقاع الأرض.
واضاف : سلام على تضحياتهم، على جهادهم على بذلهم لأرواحهم في سبيل الله والوطن، وكرامة الإنسان وعزته، ولعل في هذه المناسبة تكون هناك يقظة، صحوة ضمير لهذه السلطة السياسية في لبنان، ولبعض فئات الشعب اللبناني، حيث ندعوهم الى مراجعة الحسابات، الى الالتفات لما يجري على الساحة العالمية واللبنانية،؛ لافتا الى انه “كل يوم يطالعنا الرئيس الأمريكي بقرارات تتعلق بهذه المنطقة، هناك أساطيل تحوطنا، وقاذفات وأسلحة من أمريكا وبريطانيا، الى إسرائيل العدو، كلها تريد ان تأتي الى منطقتنا، تهدد لبنان وشعب لبنان، كل يوم اعتداءات، اغتيالات، وفي هذا الواقع لا نرى أمام كل هذه التحديات وما فيها من مواجهات، بل نرى السلطة مشغولة في هذا البلد بأمور تافهة، لا تعبر عن حجم اهتمامها بشعبها، وما يتهدد هذا الشعب من العدو، ومن دون اكتراث لتلك الدماء الزكية الغالية التي تراق، ولا للشهداء ولا للاغتيالات ولا لإعادة الإعمار”.
وفي ختام الملتقى أجمع المشاركون على رفع أسمى آيات التقدير والإجلال لروح الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد صفي الدين (رضوان الله عليهما)، مجددين العهد على متابعة مسيرة التضحية والعطاء والمقاومة، وداعين الى جعل هذه الذكرى محطة سنوية لإطلاق مبادرات وطنية وثقافية مشتركة، تعزز الوحدة وتحمي لبنان، وتسهم في بناء أجيال جديدة تحمل القيم التي ضحى من أجلها الشهداء.











