لقد أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لما يُسمى بـ “مقترح السلام في غزة من 20 نقطة”، ردود فعل قوية على مستوى العالم؛ فبينما رُوّج له كخريطة طريق لإنهاء الصراع بين “إسرائيل” وحماس وإعادة إعمار غزة، يبدو في ظاهره وعدًا بالاستقرار والسلام والتنمية. إلا أنّ التمحيص الدقيق يكشف أنّ هذا المقترح ليس محاولة حقيقية لإحلال السلام، بل أداة جيوسياسية تهدف إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية وإنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
بالنسبة لــ “مجلس الشورى للمنظمات الإسلامية في ماليزيا” (MAPIM)، فإنّ هذا التحليل ضروري لكشف الهدف الحقيقي للمقترح : ليس السلام، بل حرب نفسية دبلوماسية تُشرعن الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء الدبلوماسية الدولية.
1. خطاب “مكافحة الإرهاب” كذريعة للاحتلال
منذ البداية، يصوّر ترامب غزة كـ “منطقة خالية من التطرّف”، وهو خطاب متجذّر في الدعاية الصهيونية التي تساوي بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب، في الواقع، فإنّ المقاومة المسلحة ضد الاحتلال معترف بها في القانون الدولي كحق مشروع في تقرير المصير. ومن خلال جعل “إزالة التطرف” شرطًا مسبقًا للسلام، يتعمّد المقترح إخفاء السبب الجذري للصراع؛ الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي منذ عام 1948 والحصار الخانق المفروض على غزة منذ 2007.
2. الأمن لـ “إسرائيل” والظلم للفلسطينيين
تركّز معظم بنود المقترح على ضمان أمن “إسرائيل”، نزع سلاح غزة، تفكيك البنية الدفاعية، إلغاء الدور السياسي لحماس؛ بينما يتجاهل المقترح جرائم “إسرائيل” بما في ذلك المجازر، المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، التطهير العرقي في القدس، والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، فهو ليس وثيقة محايدة، بل أداة أحادية تخدم مصالح إسرائيل فقط.
3. إنكار السيادة الفلسطينية عبر “الحوكمة الانتقالية”
من أخطر ما ورد في المقترح إنشاء “مجلس إدارة دولي انتقالي” برئاسة ترامب نفسه وشخصيات مثل توني بلير، وهذا في جوهره وصاية سياسية حديثة تُدار من قوى أجنبية، ما يعني تجريد الفلسطينيين من حقّهم في الحكم الذاتي، في انتهاك صارخ لمبدأ تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
4. الاقتصاد كابتزاز سياسي
يَعِد ترامب الفلسطينيين بازدهار اقتصادي – مناطق اقتصادية خاصة، استثمارات دولية، وظائف، وبنية تحتية. ولكن كل ذلك مشروط بالتنازل عن الحقوق السياسية والتخلّي عن مسيرة التحرّر. هنا يُستخدم الاقتصاد كطُعم لاستبدال الحرية والكرامة بالتبعية والاستهلاكية، والتاريخ أثبت أنّه بدون سيادة، يصبح “المساعدات الاقتصادية” مجرد أداة للسيطرة.
5. تجاهل السبب الجذري.. الاحتلال الإسرائيلي
يفشل المقترح في المطالبة بانسحاب “إسرائيل” من الأراضي المحتلة منذ عام 1967. كما يستبعد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولا يتطرق لرفع الحصار عن غزة. بل يعزل غزة كقضية مستقلة عن النضال الفلسطيني الشامل، ليصوّرها أزمة إنسانية فقط، بينما حقيقتها هي مواجهة الاستعمار.
6. سراب “السلام” – سلام المقابر
مع أنّ المقترح يذكر بشكل غامض “حق تقرير المصير للفلسطينيين”، إلا أنّ الشروط المفروضة تحوّل أي “دولة” فلسطينية مستقبلية إلى كيان ضعيف – بلا جيش، بلا سيطرة على الحدود، وبلا سيادة حقيقية. ستكون دولة عميلة تابعة لـ “إسرائيل”؛ هذا ليس سلامًا حقيقيًا، بل سلام المقابر، يخنق المقاومة الفلسطينية حتى الموت.
7. إعادة تدوير “صفقة القرن” الفاشلة
في جوهره، لا يحمل المقترح شيئًا جديدًا. فهو نسخة معدّلة من “صفقة القرن” التي أعلنها ترامب عام 2020 ورفضها الفلسطينيون بالإجماع؛ الستراتيجية نفسها واضحة : فصل غزة عن الضفة، تقديم إغراءات اقتصادية، شرعنة المستوطنات الإسرائيلية، وإنكار حقوق اللاجئين، إنها مؤامرة قديمة بثوب جديد.
8. التداعيات على العالم الإسلامي والمجتمع الدولي
– اعتماد هذا المقترح سيؤدي إلى نتائج خطيرة :
– تطبيع الاحتلال؛ شرعنة “إسرائيل” دوليًا دون محاسبتها على جرائم الحرب،
– مزيد من الانقسام الفلسطيني؛ فصل إداري وسياسي بين غزة والضفة، مما يعيق الوحدة الوطنية،
– هيمنة القوى الأجنبية؛ سيخضع حكم غزة للغرب، ما يحوّل الفلسطينيين إلى متفرجين على مصيرهم.
الخاتمة: موقف MAPIM
يرفض “مجلس الشورى للمنظمات الإسلامية في ماليزيا” (MAPIM)، رفضًا قاطعًا “مقترح ترامب للسلام في غزة من 20 نقطة”؛ فهو ليس إطارًا للسلام بل استمرار للاستعمار مُقنّع بالدبلوماسية.
نرفضه لأنه :
– يتجاهل السبب الجذري – الاحتلال الإسرائيلي،
– ينكر حق الفلسطينيين في تقرير المصير،
– يستبدل الحرية والكرامة برشاوى اقتصادية،
– يسلّم الحكم الفلسطيني لقوى أجنبية.
الطريق الحقيقي نحو السلام يجب أن يشمل :
– الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة،
– الرفع الكامل للحصار عن غزة،
– حق العودة للاجئين الفلسطينيين،
– إقامة دولة فلسطينية حرّة ذات سيادة عاصمتها القدس (القدس الشريف).
ما لم تُحترم هذه المبادئ، فإن أي “خطة سلام” ليست سوى مساحيق سياسية لإدامة معاناة الشعب الفلسطيني.
___________________________________________________
* رئيس مجلس الشورى للمنظمات الإسلامية في ماليزيا (MAPIM)











