الاتفاق النووي على مفترق طرق.. بين منطق إيران وتعنت أوروبا

النص يوضح أن الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لم تُظهر جدية في المفاوضات النووية، بل تبنّت نهج الضغط والابتزاز بدلاً من التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن. ويستشهد بالبيان الأميركي عند تفعيل آلية "سناب باك" كدليل على هذا التوجّه الغربي.

منذ بداية المفاوضات النووية، أثبتت الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) غياب الجدية في التعامل مع المسار الدبلوماسي… ويكفي التذكير بالبيان الصحفي لوزارة الخارجية الأميركية عند بدء عملية “سناب باك”، حيث رحّب الوزير ماركو روبيو بخطوة أوروبا، لكنه شدّد في الوقت ذاته على ضرورة تنفيذ هذه الآلية. ومنذ ذلك الحين، تبلورت بوضوح سياسة الغرب القائمة على الضغط والابتزاز بدلًا من السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن.

في المقابل، أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعاملاً منطقيًا ومسؤولًا لإزالة الذرائع، كان من أبرز أمثلته تفاهم القاهرة الذي نال موافقة كاملة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، جاءت خطوات الدول الأوروبية الثلاث لتثبت غياب حسن النية وإصرارها على فرض مطالب تعجيزية.

صحيح أنّ مجلس الأمن طرح قرارًا إجرائيًا لإعادة العقوبات، غير أن المجال لا يزال متاحًا للدبلوماسية إن وُجدت الإرادة الأوروبية لذلك. وفي المقابل، فإن خيارات إيران في حال إعادة العقوبات مطروحة على الطاولة، وهي مصمّمة على صون أمنها ومصالحها الوطنية، واتخاذ التدابير الكفيلة باستمرار تنميتها الاقتصادية دون انفعال أو تصعيد غير ضروري.

جدير بالذكر أن مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، رحّبت خلال لقائها بوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في الدوحة بإعداد خارطة طريق لحل القضايا النووية، خصوصًا لعدم تفعيل آلية الزناد، استنادًا إلى تفاهم إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. غير أن الدول الأوروبية الثلاث تجاهلت هذا المسار بعد الاتفاق بين إيران والوكالة. وقد بدا واضحًا أن وزراء خارجية هذه الدول قرروا منذ فترة طويلة إعادة العقوبات رغم الخطوات الإيرانية، فيما كانت اللقاءات في اسطنبول وجنيف والمكالمات الهاتفية مجرد أداة لتضليل الرأي العام.

تهديد مباشر للأمن والسلم الدوليين

إن التفاهم الأخير بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي تم التوصل إليه بناءً على طلب الوكالة ونُقل إلى الدول الأوروبية، يحتاج إلى وضع صيغة تنفيذية جديدة تستند إلى تدابير وقائية وأمنية وتتطلب وقتًا للتنفيذ. وقد أثبتت إيران، من خلال تفاهم القاهرة، أنها تسعى لحل القضايا وإزالة الذرائع، لكن أوروبا فضّلت تجاهل ذلك. ورغم أن إيران استجابت إيجابيًا لدعوات الوسطاء لحوار هادف، فإنها لم تفوّت يومًا فرصة لمعالجة الملفات عبر الدبلوماسية.

الاتفاق النووي نفسه يفرض التزامات واضحة على الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي، التزامات لا ترتبط بعلاقة إيران بالولايات المتحدة أو بنتائج المفاوضات الثنائية. كان على هذه الدول أن تدخل مباشرة في تفاعلات جدية مع إيران بعيدًا عن الحسابات الأميركية. وعليه، فإن الجمهورية الإسلامية تدعو جميع الأعضاء المسؤولين في المجتمع الدولي إلى رفض هذه الخطوات غير القانونية، والامتناع عن إضفاء أي شرعية عليها، لأن ما يتعرض للخطر اليوم ليس مستقبل الاتفاق النووي وحسب، بل مصداقية مجلس الأمن ودوره في حماية السلم والأمن الدوليين.

وقد نص قرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو جزء لا يتجزأ من الاتفاق النووي، على الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وألغى القرارات السابقة ضد إيران بين 2006 و2009، كما تقرر بموجبه شطب الملف النووي الإيراني من جدول أعمال مجلس الأمن في سبتمبر/ أيلول 2025. لكن الخطوات الأوروبية الأخيرة لإعادة تلك القرارات الملغاة تتزامن مع هجمات غير قانونية نفذها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ضد منشآت نووية إيرانية خاضعة للرقابة الدولية، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وتهديد مباشر للأمن والسلم الدوليين، ناهيك عن تقويض نظام عدم الانتشار. والأسوأ أن الدول الأوروبية الثلاث لم تكتفِ بعدم إدانة هذه الاعتداءات، بل استغلت آلية تسوية النزاعات في الاتفاق النووي لتكريس خرق جديد للقانون الدولي.

هدف الأوروبيين.. مصالح سياسية ضيقة

إن تجاهل تفاهم 9 سبتمبر/ أيلول 2025 بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم الترحيب الواسع به في المجتمع الدولي، يكشف بوضوح أن هدف الأوروبيين لم يكن يومًا التعاون أو الشفافية، بل تحقيق مصالح سياسية ضيقة. فقد رفضوا حتى المقترح الإيراني المنطقي الذي اعترفوا هم أنفسهم بعقلانيته. وبالرغم من حرص الجمهورية الإسلامية على إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، فإن هذه الدول أظهرت تبعية تامة للسياسات الأميركية الأحادية وغير القانونية.

إن تحركات الدول الأوروبية الثلاث في مجلس الأمن لإعادة القرارات الملغاة خطوة غير قانونية واستفزازية، تقوّض المسار الدبلوماسي وتحمّل الولايات المتحدة وشركاءها كامل المسؤولية عن عواقبها. فإصرارهم على المضي قدمًا رغم معارضة عدد من أعضاء المجلس يُعد ضربة قاسية للدبلوماسية ولنظام عدم الانتشار. غير أن البرنامج النووي الإيراني السلمي، الذي يستند إلى إرادة الشعب في التقدّم العلمي والتكنولوجي، سيستمر، والجمهورية الإسلامية تحتفظ بحقها الكامل في الرد المناسب على أي إجراء غير قانوني، مع مواصلة الدفاع عن مصالحها عبر القنوات الدبلوماسية حيثما أمكن.

وفي الختام، تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن على جميع الأعضاء المسؤولين في المجتمع الدولي رفض هذا الإجراء غير القانوني من قبل الدول الأوروبية الثلاث في مجلس الأمن، وعدم منحه أي شرعية، حفاظًا على مستقبل الاتفاق النووي ومكانة مجلس الأمن في صيانة السلم والأمن الدوليين.

السفير الإيراني في الدوحة علي صالح آبادي

نوشته های مرتبط

منشورات ذات صلة

Related posts

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top